الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وإن قذف محصنا مرات, فحد واحد رواية واحدة سواء قذفه بزنا آخر, أو كرر القذف بالأول لأنهما حدان ترادف سببهما فتداخلا كالزنا مرارا وإن قذفه فحد له, ثم قذفه مرة أخرى بذلك الزنا فلا حد عليه لأنه قد تحقق كذبه فيه بالحد فلا حاجة إلى إظهار كذبه فيه ثانيا, ولما جلد عمر أبا بكرة حين شهد على المغيرة بن شعبة أعاد قذفه فهم عمر بإعادة الحد عليه, فقال له علي: إن جلدته فارجم صاحبه فتركه ولكنه يعزر تعزير السب والشتم وذكر القاضي أن فيه رواية أخرى أن عليه الحد ثانيا لأنه قذف ثان بعد إقامة الحد عليه فأشبه ما لو قذفه بزنا ثان وأما إن قذفه بزنا آخر, فعليه حد آخر لأنه قذف لمحصن لم يحد فيه فوجب أن يتعقبه الحد كالأول ولأن سبب الحد وجد بعد إقامته, فأعيد عليه كالزنا والسرقة وعن أحمد رواية أخرى لا حد عليه في الثاني لأنه حد لصاحبه مرة, فلا يعاد عليه الحد كما لو قذفه بالزنا الأول وعلى هذه الرواية يعزر تعزير السب والشتم وهذه الرواية الثانية فيما إذا تقارب القذف الثاني من الحد فأما إذا تباعد زمانهما, وجب الحد بكل حال لأنه لا يجوز أن يكون حده مرة من أجله فوجب إطلاق عرضه له ومذهب الشافعي في هذا كمذهبنا إلا أنهم حكوا عن الشافعي فيما إذا أعاد القذف بزنا ثان قبل إقامة الحد, قولين: أحدهما يجب حد واحد والثاني يجب حدان فأما إن قذف أجنبية, ثم تزوجها ثم قذفها فعليه الحد للقذف الأول, ولا شيء عليه للثاني في قول أبي بكر وحكي نحو ذلك عن الزهري والثوري وأصحاب الرأي لأنه لو قذف أجنبية قذفين, لم يجب عليه أكثر من حد واحد واختار القاضي أنه إن قذفها بالزنا الأول لم يكن عليه أكثر من حد واحد وليس له إسقاطه إلا بالبينة, وإن قذفها بزنا آخر فهو على الروايتين فيما إذا قذف الأجنبية ثم حد لها, ثم قذفها بزنا آخر فإن قلنا: يجب حدان فطالبت المرأة بموجب القذف الأول فأقام به بينة, سقط عنه حده ولم يجب في الثاني حد لأنها غير محصنة وإن لم يقم بينة, حد لها ومتى طالبته بموجب الثاني فأقام به بينة أو لاعنها, سقط وإلا وجب عليه الحد أيضا لأن هذا القذف موجبه غير موجب الأول فإن الأول موجبه الحد على الخصوص, والثاني موجبه اللعان أو الحد وإن بدأت بالمطالبة بموجب الثاني فأقام بينة به أو لاعن, سقط حده ولها المطالبة بموجب الأول فإن أقام به بينة, وإلا حد قال القاضي: إن أقام بالثاني بينة سقط موجب الأول وهو مذهب الشافعي لأنها صارت غير محصنة فلا يثبت لها حد المحصنات ولنا أن سقوط إحصانها في الثاني, لا يوجب سقوطه فيما قبل ذلك كما لو استوفى حده قبل إقامة البينة ولعل هذا ينبني على ما إذا قذف رجلا فلم يقم الحد على القاذف حتى زنى المقذوف وإن لم يقم بينة عليهما ولم يلتعن للثاني, لم يجب إلا حد واحد نص عليه أحمد ولأنهما حدان من جنسين ترادفا فلم يقم أحدهما فتداخلا, كما لو قذفها وهي أجنبية قذفين ولو قذف زوجته فحد لها ثم أعاد قذفها بذلك الزنا, لم يحد لها لما ذكرنا في إعادة قذف الأجنبي لكن يعزر للأذى والسب وليس له إسقاط التعزير باللعان لأنه تعزير سب, لا تعزير قذف إلا على الرواية التي تلزم الأجنبي حدا ثانيا بإعادة القذف فإنه يلزمه ها هنا حد, وله إسقاطه باللعان وإن ولد له ولد بعد حده فذكر أنه من ذلك الزنا فله اللعان لإسقاطه, على كلتا الروايتين لأنه محتاج إلى نفيه وإن قذفها في الزوجية قذفين بزناءين فليس عليه إلا حد واحد ويكفيه لعان واحد لأنه يمين, فإذا كان الحقان لواحد كفته يمين واحدة لكنه يحتاج أن يقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزناءين وفارق ما إذا قذف زوجتين, حيث لا يكفيه لعان واحد لأن اليمين وجبت لكل واحد منهما فلا تتداخل كسائر الأيمان وإن أقام البينة بالأول, سقط عنه موجب الثاني لأنه زال إحصانها ولا لعان إلا أن يكون فيه نسب يريد نفيه وإن أقامها بالثاني لم يسقط الحد الأول, وله إسقاطه باللعان إلا على قول القاضي فإنه يسقط بإقامة البينة على الثاني وإن قذفها في الزوجية ولاعنها ثم قذفها بالزنا الأول, فلا حد عليه لأنه قد حققه بلعانه ويحتمل أن يحد كما لو قذفها به أجنبي وهو قول القاضي ولو قذفها به أجنبي, أو بزنا غيره فعليه الحد في قول عامة أهل العلم, منهم ابن عباس والزهري والشعبي, والنخعي وقتادة ومالك, والشافعي وأبو عبيد وذكر أبو عبيد عن أصحاب الرأي أنهم قالوا: إن لم ينف بلعانها ولدا, حد قاذفها وإن نفاه فلا حد على قاذفها لأنه منتف عن زوجها بالشرع ولنا ما روى ابن عباس, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من رماها أو ولدها فعليه الحد) رواه أبو داود وهذا نص, فإنه نص على من رماها مع أن ولدها منفي عن الملاعن شرعا ولأنه لم يثبت زناها, ولا زال إحصانها فيلزم قاذفها الحد بقوله تعالى قال: [فإن التعن هو ولم تلتعن هي فلا حد عليها, والزوجية بحالها] وجملة ذلك أنه إذا لاعنها وامتنعت هي من الملاعنة فلا حد عليها وبه قال الحسن, والأوزاعي وأصحاب الرأي وروي ذلك عن الحارث العكلي وعطاء الخراساني وذهب مكحول والشعبي, ومالك والشافعي وأبو عبيد, وأبو ثور وأبو إسحاق الجوزجاني وابن المنذر, إلى أن عليها الحد لقول الله تعالى: قال: [وكذلك إن أقرت دون الأربع مرات] وجملته أن الرجل إذا قذف امرأته, فصدقته وأقرت بالزنا مرة أو مرتين, أو ثلاثا لم يجب عليها الحد لأنه لا يثبت إلا بإقرار أربع مرات على ما يذكر في الحدود, ثم إن كان تصديقها له قبل لعانه فلا لعان بينهما لأن اللعان كالبينة إنما يقام مع الإنكار, وإن كان بعد لعانه لم تلاعن هي لأنها لا تحلف مع الإقرار وحكمها حكم ما لو امتنعت من غير إقرار وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي: إن صدقته قبل لعانه, فعليها الحد وليس له أن يلاعن إلا أن يكون ثم نسب ينفيه, فيلاعن وحده وينتفي النسب بمجرد لعانه وإن كان بعد لعانه, فقد انتفى النسب ولزمها الحد بناء على أن النسب ينتفي بمجرد لعانه وتقع الفرقة, ويجب الحد فإن الحد يجب بإقرار مرة وهذه الأصول قد مضى أكثرها ولو أقرت أربعا وجب الحد, ولا لعان بينهما إذا لم يكن ثم نسب ينفى وإن رجعت سقط الحد عنها بغير خلاف علمناه وبه يقول الشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي فإن الرجوع عن الإقرار بالحد مقبول وليس له أن يلاعن للحد فإنه لم يجب عليه لتصديقها إياه وإن أراد لعانها لنفي نسب, فظاهر قول الخرقي أنه ليس له ذلك في جميع هذه الصور وهو قول أصحاب الرأي وقال الشافعي: له لعانها لنفي النسب فيها كلها لأنها لو كانت عفيفة صالحة فكذبته ملك نفي ولدها, فإذا كانت فاجرة فصدقته فلأن يملك نفي ولدها أولى ووجه الأول, أن نفي الولد إنما يكون بلعانهما معا وقد تعذر اللعان منهما ولأنها لا تستحلف على نفي ما تقربه فتعذر نفي الولد لتعذر سببه, كما لو مات بعد القذف وقبل اللعان. ولو قال لامرأته: يا زانية فقالت: بك زنيت فلا حد عليها ولا عليه وقال أصحاب الشافعي: عليه حد القذف لأنه يحتمل أنها أرادت بذلك نفي الزنا عن نفسها كما يستعمل أهل العرف فيما إذا قال قائل: سرقت قال: معك سرقت أي أنا لم أسرق لكونك أنت لم تسرق ولنا أنها صدقته في قذفه إياها, فأشبه ما لو قالت: صدقت ولا حد عليها لأن حد الزنا لا يثبت إلا بالإقرار أربع مرات وليس عليها حد القذف لأنها لم تقذفه وإنما أقرت على نفسها بزناها به, ويمكن ذلك من غير كونه زانيا بأن يظنها زوجته وهي عالمة أنه أجنبي ولأنه يحتمل أن تريد نفي ذلك عنهما, كما ذكروه أو أنه لم يطأني سواك فإن لم يكن زنا فأنت شريكي فيه ولا يجب الحد مع الاحتمال, ولا يلزم من سقوطه عن الرجل بظاهر تصديقها وجوبه عليها مع الاحتمال فإن الحد يدرأ بالشبهات ولا يجب بها ولو قال: يا زانية فقالت: أنت أزنى مني فقال أبو بكر فيها كالتي قبلها: لا حد على الزوج بتصديقها له, ولا على المرأة لما ذكرنا في التي قبلها وقال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي: ليس قولها قذفا قال الشافعي: إلا أن تريد القذف لأنه يحتمل أن تريد أنه أصابني وهو زوجي, فإن كان ذلك فهو أبلغ مني فيه وقال القاضي: عليها حد لقذفها ولا حد عليه لتصديقها إياه, وقد أتت بصريح قذفه بالزنا فوجب عليها الحد كما لو قالت: أنت زان والاحتمال مع التصريح بالقذف, لا يمنع الحد كما لو قالت: أنت زان فأما إن قال: يا زانية فقالت: بل أنت زان فكل واحد منهما قاذف لصاحبه عليه حد القذف إلا أن المرأة لا تملك إسقاط حدها إلا بالبينة, والزوج يملك إسقاطه ببينة أو لعان.
|